قال تعالى : ( وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ ) [سورة ق –الاية-10)

النخلة في بلدة العراقي قبل نهضة السلطان قابوس: شريان الحياة وأساس الاستقرار والازدهار

النخلة… أمّ الحياة في بلدة العراقي

لم تكن النخلة مجرد شجرة تعطي الثمار في بلدة العراقي قبل عهد النهضة المباركة بقيادة السلطان قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه، بل كانت مصدر الحياة الأساسي، إذ ارتبط بها رزق الناس، ومعيشتهم، واستقرارهم. كانت النخلة المورد الأهم للغذاء، والظل، والسكن، والصناعة، والتجارة، مما جعلها العمود الفقري للاقتصاد الزراعي والاجتماعي في ولاية عبري، وخاصة في بلدة العراقي.

لقد كانت النخلة والتمر أساس الأمن الغذائي في تلك الفترة، حيث لم يكن هناك رفاهية استيراد الأغذية المتنوعة كما هو الحال اليوم، وكان الناس يعتمدون على ما تجود به أرضهم وما تثمره نخيلهم. فكيف كانت ستكون حياة أهل العراقي بدون النخلة؟ وكيف ساهمت هذه الشجرة المباركة في استقرارهم وازدهارهم؟

حياة الناس في بلدة العراقي قبل النهضة وأهمية النخلة

قبل عهد النهضة الحديثة، كانت الحياة في بلدة العراقي حياةً زراعية تعتمد على الطبيعة، وكان الناس يكافحون لتأمين غذائهم واحتياجاتهم الأساسية. كانت النخلة هي الركيزة الأساسية التي قامت عليها الحياة، حيث وفرت:

• الغذاء الأساسي: عبر التمر ومشتقاته.

• مصدر الدخل: من خلال بيع التمور ومنتجات النخيل.

• مواد البناء: لاستخدام جذوعها في الأسقف والجدران، وسعفها في صنع المساكن.

• أدوات الحياة اليومية: مثل الحبال، والسلال، والحصر، والمكانس المصنوعة من الليف والخوص.

لو لم تكن النخلة موجودة في ذلك الوقت، لكان السكان يعانون من نقص حاد في الغذاء، وانعدام مصادر الدخل، وصعوبة تأمين مواد البناء والأدوات اليومية، مما كان سيجعل الحياة أكثر قسوة وصعوبة.

استخدامات النخلة المتعددة في بلدة العراقي

1. التمر: غذاء رئيسي في المائدة العمانية

كانت التمور العنصر الأساسي في الغذاء اليومي لأهل العراقي، وكانت تستخدم بطرق مختلفة:

• كوجبة رئيسية: يأكله الناس طازجًا (رطبًا) أو يابسًا (تمرًا) مع القهوة أو اللبن.

• في صناعة الدبس: حيث يتم استخلاص دبس التمر لاستخدامه كمصدر للطاقة والغذاء.

• كمكون في بعض الأطباق التقليدية: مثل الثريد والهريس، حيث يُستخدم التمر كمُحلي طبيعي.

2. تخزين التمر والتجارة عبر قوافل الإبل

كان تخزين التمر من المهام الأساسية التي يحرص عليها أهل العراقي لضمان توفره طوال العام، خاصة مع ندرة الموارد الأخرى. ولذا، كانوا يقومون بحفظ التمر في جربان (جمع جِرب) مصنوعة من الخصف، وهو سعف النخيل المنسوج بدقة، لحمايته من التلف.

كانت هذه الجِربان تُخزّن في مخازن تقليدية تُسمى البُخار، وهي غرف طينية محكمة الإغلاق تضمن حفظ التمور لفترات طويلة. ثم يتم بيع الفائض من التمور إلى الولايات الأخرى عبر قوافل الإبل، حيث كانت التجارة تلعب دورًا مهمًا في دعم اقتصاد البلدة. ومن أشهر هذه القوافل قافلة هويشل بن علي العبري، التي كانت تنقل التمور والبضائع إلى المناطق المجاورة، مما ساهم في انتعاش النشاط التجاري وربط العراقي بالأسواق البعيدة.

3. استخدامات النخلة في الحياة اليومية

لم يكن التمر وحده هو الفائدة الوحيدة للنخلة، بل كانت جميع أجزائها تستخدم في صناعة الأدوات الحياتية:

• الجذوع: تُستخدم في بناء البيوت، وأعمدة الأفلاج، والجسور البسيطة.

• السعف: يُستخدم في صناعة السلال، والحصر، والمكانس، والمظلات، والمنازل التقليدية.

• الخوص: يُحاك منه الحصر، والمهفات (المراوح اليدوية)، والمكانس، والقبعات.

• الليف: يُستخدم في صناعة الحبال، والمراتب، والمساند، والأكياس.

• النوى: يُطحن ليستخدم كعلف للحيوانات أو يُستخرج منه زيت النخيل.

كيف كان الناس في بلدة العراقي يعاملون النخلة؟

1. الزراعة والرعاية

كان أهل العراقي يتعاملون مع النخلة وكأنها فردٌ من العائلة، يعطونها كل الرعاية والاهتمام، حيث كانوا يحرصون على:

• زراعتها في أماكن قريبة من مصادر المياه، خاصة الأفلاج والوديان.

• تلقيحها يدويًا خلال فصل الربيع لضمان إنتاج ثمار عالية الجودة.

• تقليمها بانتظام (التكريب) وإزالة السعف اليابس حتى تبقى صحية ومنتجة.

2. الحصاد والتخزين

عندما يحين وقت الجذاذ (الحصاد)، كان الفلاحون يجتمعون في موسم فرحٍ سنويّ، حيث يتم تسلق النخيل باستخدام الحبال التقليدية أو السلالم الخشبية، ويتم جمع الرطب في سلال مصنوعة من سعف النخيل. بعد ذلك، يُجفف التمر أو يُخزّن في البُخار لاستخدامه على مدار العام.

فوائد التمر الغذائية والصحية والدوائية

يعتبر التمر من أكثر الأغذية فائدة، حيث يحتوي على:

• السكريات الطبيعية التي توفر طاقة فورية للجسم.

• الألياف الغذائية التي تحسن الهضم وتساعد في منع الإمساك.

• الحديد الذي يعزز إنتاج كريات الدم الحمراء ويمنع فقر الدم.

• البوتاسيوم والمغنيسيوم الضروريين لصحة القلب والأعصاب.

• مضادات الأكسدة التي تحمي الجسم من الأمراض المزمنة.

الاستخدامات الطبية للتمر في عبري:

• كان يُستخدم لعلاج الضعف العام وسوء التغذية.

• يُنصح به للنساء بعد الولادة لاستعادة الطاقة وتقوية الجسم.

• كان يُستخدم كعلاج طبيعي للسعال والتهابات الصدر.

• يُعتبر من العلاجات التقليدية لأمراض المعدة والجهاز الهضمي.

أنواع النخيل المشهورة في ولاية عبري

تتميز ولاية عبري بتنوع أنواع النخيل التي تزرع فيها، ومن أبرزها:

1. الخلاص: يتميز بطعمه الحلو وقوامه الطري، وهو من أشهر أنواع التمور في عمان.

2. النغال: يتميز بلونه الفاتح ونكهته القوية، ويعتبر من أوائل التمور نضجًا.

3. الخنيزي: تمر لونه غامق وحجمه متوسط، ويُستخدم في صناعة الدبس.

4. الفرض: يُعرف بجودته العالية وصلاحيته للتخزين الطويل.

5. الهلالي: يتميز بلونه الأحمر وقوامه اللين.

6. الجبري: يُعتبر من الأنواع المحلية المحبوبة في عبري.

7. الرزيزي: مشهور بحجمه الكبير وقيمته الغذائية العالية.

النخلة… إرثٌ خالدٌ في بلدة العراقي

لقد كانت النخلة شريان الحياة في بلدة العراقي، إذ وفرت الغذاء، والرزق، والظل، والأمان لأهلها قبل عهد النهضة الحديثة. كانت هي الداعم الأساسي للحياة، ولم يكن بالإمكان تصور المعيشة بدونها.

ورغم التطورات الحديثة، لا تزال النخلة رمزًا للتراث العماني، ولا يزال أهل عبري والعراقي يحافظون عليها ويحتفلون بمواسمها، لأنها لم تكن مجرد شجرة، بل كانت شريكًا في بناء حضارتهم وبقائهم.

وهكذا، تبقى النخلة رمزًا للكرم والعطاء، حاضرةً في ذاكرة كل عماني، شاهدةً على ماضٍ مجيدٍ، ومستقبلٍ واعد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *