الغبّي حضاره و تاريخ .
بلدة الغبي الأثرية: إرثٌ خالدٌ من التاريخ والمجد في قلب عُمان
المقدمة: الغبي – ذاكرة التاريخ وواحةٌ نابضةٌ بالحياة
في قلب ولاية عبري، وعلى الضفة اليمنى من وادي سنيسل، تقع بلدة الغبي الأثرية، التي تحمل في أزقتها ومعالمها بصماتٍ من الماضي العريق. لم تكن الغبي مجرد مستوطنةٍ زراعية، بل كانت مركزًا إداريًا وعسكريًا لعب دورًا حيويًا عبر العصور. شهدت البلدة صراعاتٍ وتحولاتٍ سياسية مهمة، وخاصة في القرن التاسع عشر، عندما كانت في دائرة الصراع بين الإمام عزان بن قيس البوسعيدي والسلطان تركي بن سعيد، مما جعلها ساحةً للتغيرات التي أثرت في مسار الأحداث العمانية.
الغبي عبر العصور: موقع استراتيجي وتحولات تاريخية
بفضل موقعها الفريد في ولاية عبري، شكلت الغبي نقطة وصلٍ مهمة بين الساحل والداخل العماني، مما جعلها محطةً للتجارة والاقتصاد. كما لعبت أفلاجها المتدفقة دورًا محوريًا في ازدهارها، حيث اعتمد أهلها على الزراعة والتجارة في بناء اقتصادهم المحلي.
وقد كانت الغبي في فترةٍ من الفترات عاصمةً لإحدى الأسر الحاكمة في عمان، كما احتضنت شخصياتٍ تاريخيةً بارزة، مثل العلامة المحتسب بن شبيب بن عطية العماني الخرساني، الذي عاش في زمن إمامة الجلندي بن مسعود، والأمير جاعد بن مرشد بن مالك اليعربي، شقيق الإمام ناصر بن مرشد اليعربي، الذي أسس دولة اليعاربة في عمان.
الشيخ راشد بن إبراهيم: والي الغبي في عهد الإمام عزان بن قيس
برز الشيخ راشد بن إبراهيم كأحد أبرز الشخصيات المؤثرة في تاريخ الغبي خلال عهد الإمام عزان بن قيس البوسعيدي. إذ تولى منصب الوالي، وكان يتمتع بحكمةٍ سياسيةٍ ونظرةٍ ثاقبةٍ في إدارة شؤون البلدة. تحت قيادته، كانت الغبي مركزًا للاستقرار، تسودها روح التعاون والتنظيم، حيث استطاع أن يحافظ على تماسكها رغم التحديات والاضطرابات التي مرت بها عمان خلال تلك الفترة.
غير أن الاضطرابات السياسية التي تبعت سقوط الإمام عزان أثرت على الغبي، مما جعلها تتعرض لمحاولات السيطرة من قبل القوى المتنافسة. إلا أن إرث الشيخ راشد ظل شاهدًا على فترةٍ من الاستقرار السياسي والتنظيم الإداري في البلدة. ، جائت هزيمة و مقتل الاما عزان بن قيس في الفتنه التي وقعت بينهم و بين السلطان تركي بن سعيد ، انهارت الكثير من الولايات التي كانت في صف الامام عزان بن قيس ، و من ضمن تلك الولايات كانت الغبي التي راح ضحيتها الشيخ راشد بن ابراهيم العبري والي الغبي من قبل من خانه و صف في صف السلطان تركي و الانجليزي كما ما حصل مع من كل من ولاي الامام عزان بن قيس البوسعيدي .
الغبي والأفلاج: شريان الحياة وعامل الاستقرار
رغم النزاعات السياسية والحروب التي شهدتها، ظلت الأفلاج هي العصب الحيوي الذي حافظ على استمرارية الغبي. فقد وفرت المياه العذبة، مما ساعد على ازدهار الزراعة والتجارة. وكانت هذه الأفلاج مصدرًا اقتصاديًا مهمًا، حيث:
• أمنت ري الأراضي الخصبة التي تنتج التمور والمحاصيل الزراعية الأخرى.
• ساهمت في ازدهار التجارة من خلال تصدير المنتجات الزراعية إلى الأسواق المجاورة.
• شكلت عامل استقرار سياسي، إذ كانت المناطق الغنية بالمياه مراكز دعم للقوى المقاومة خلال فترات الصراع.
وقد كانت الغبي من بين آخر المناطق التي خضعت لسلطة السلطان تركي بن سعيد بعد سقوط الإمام عزان، مما يدل على قوتها الاستراتيجية وأهميتها في المشهد السياسي.
الصراعات والتحديات: محطاتٌ من الصمود
لم تكن الغبي بمنأى عن الصراعات التي اجتاحت عمان خلال القرن التاسع عشر. فقد شهدت البلدة معارك عدة، تعرضت فيها لهجمات مباغتة ومحاولات للسيطرة عليها. ومن أبرز هذه الفترات كانت النزاعات التي اندلعت بعد رحيل الإمام عزان بن قيس، حيث حاولت عدة قوى فرض سيطرتها على البلدة والاستفادة من موقعها الحيوي.
إرث الغبي: بين الماضي والحاضر
رغم الحروب والتقلبات السياسية التي مرت بها، لم تنطفئ جذوة الحياة في الغبي. فقد عاد أهلها، وأعادوا بناء قراهم ومزارعهم، واستمروا في الحفاظ على إرثهم الزراعي والثقافي. واليوم، ما زالت الأفلاج شاهدةً على تاريخٍ عريق، حيث تروي نخيل الغبي قصص الأجداد الذين صمدوا أمام التحديات، وتركوا للأجيال القادمة إرثًا لا يُنسى.
الغبي – أرض التاريخ والمستقبل
ظلت الغبي، رغم كل التحديات، شامخةً كرمزٍ للهوية العمانية، حيث احتضنت التاريخ وواجهت الصراعات بصبرٍ وثبات. وفي حين تغيرت الأيام، بقيت معالمها تحكي قصة مكانٍ لم يكن مجرد بقعةٍ على الخريطة، بل كان شاهدًا على الإرادة والصمود، وعلى أن المجد يُصنع بالعمل والتضحيات، تمامًا كما فعل أسلافها الذين نقشوا أسماءهم في صفحات التاريخ.
المصادر :
مقابلة اهلي البلدة و وثائق قديمة
كتاب العراقي
مقابلة الشيخ محمد بن عبدالله الخليلي
كتاب الامام عزان بن قيس